Posted on يونيو 13, 2021
by Wesam Magdy
0 Comments
مع الولادة تأتي الفرحة بالطفل الجديد ويظل داخل جدران البيت في كنف الأم والأب لمدة ثلاثة أو أربع أعوام لا يتعامل إلا معهم ويصبحون هم كل دائرته الاجتماعية. تدق مرحلة الروضة (سنة أولي روضة) أبواب البيت ويتحتم على الوالدين أن يفتحا آفاق العالم الواسع أمام الوافد الجديد لكي يخطو أولى خطواته الفعلية في رحلة الحياة. من هذا المنطلق يظهر تأثير أهمية هذه المرحلة في تشكيل وعي وشخصية الطفل طوال حياته- على الرغم من قصرها الزمني نسبيًا.
اللفظ مأخوذ من اللغة الألمانية Kindergarten وربما يشير اللفظ إلى نفس المعنى والترجمة “روضة الاطفال” حيث من المفترض أن “يتريض” أو يرفه الطفل عن نفسه في مساحة واسعة تتيح له في الأساس فكرة الحرية واللعب قبل التعلّم وهو المبدأ الذي بنى عليه العالم الألماني فريدريك فروبل- مخترع المصطلح- فلسفته من أجل تنشأة الأطفال وإعدادهم للمستقبل. كما ربط فرويل بين زراعة الورود في الحديقة أو “الروضة” وبين العناية بالأطفال وتغذيتهم وتعريضهم لضوء الشمس لكي يصبحوا رجالًا ونساءًا يافعين أصحاء منتجين ومبدعين وإضافة لمجتمعاتهم وللبشرية كلها.
كثرة المعروض يجعل عملية اختيار الروضة المناسبة أمرًا صعبًا. تبدأ رحلة بحث شاقة من قبل الوالدين من أجل اختيار المكان والبيئة المناسبة التي سوف تحتضن ابنهما وتصبح بديلًا للبيت بل وأكثر من ذلك حيث أن الطفل سوف يقضي في الروضة مدة زمنية أكبر من مثيلتها في البيت.
تم وضع العديد من المعايير المثالية من قِبَل خبراء التعليم في العالم حول المواصفات الفنية للروضة المثالية، ولكن بشكل عام اتفق الكل على عدة معايير هامة أولها قُرب الروضة من سكن الطفل لكي لا يأخذ وقتًا طويلًا في الطريق مما يعرضه للإجهاد والتعب وفي نفس الوقت هي معيار هام لكي يشعر الطفل أن البيت قريب زمنيًا ومكانيًا من منزله فيقلل الشعور بالغربة على قدر الإمكان ويزيد من الحميمية مع الوقت.
التهوية الجيدة للفصول والتأكد من استيعابها للعدد المثالي حسب المساحة على أن لا يزيد عن عشرين طفلًا. المساحات الخضراء توفر للطفل إحساس بالحرية والانطلاق كما أنه يجب أن تكون هناك مساحات مخصصة للألعاب الحركية.
عامل الأمان أيضًا في منتهى الأهمية مثل وجود أسوار عالية وحراسة أمنية منضبطة وأبواب محكمة الغلق. يحب الطفل أن يشعر أنه يتواجد في بيئة قريبة من هيئة البيت ولذلك فإنه من المفضل أن تكون الروضة ذات تأثيث وتصميم يحاكي دفء وحميمية المنزل ولا تبدو مثل هيئة تعليمية صارمة.
ثم يأتي العامل الأهم في اختيار الروضة المناسبة وهو العامل البشري. المدرسون والمدرسات هم العامل الأهم. من وجهة نظر الطفل فإنه سوف يستبدل وجوه الأم والأب التي فطر الله قلبه عليها بوجوه أشخاص آخرين هم بالنسبة له أغراب، لا يمكن المقارنة في كل الأحوال داخل عقله ولكن على الأقل يجب أن يتحلوا بالبشاشة والصبر والحديث الطيب والتعاطف والإنسانية قبل أي معايير مهنية أو شهادات أو مهارات تعليمية.
المعلمات والأمهات وجهان لعملة واحدة، سوف تستعير المعلمة دور الأم بالنسبة للطفل لمدة زمنية يومية ليست بالقصيرة. يجب عند الاختيار استثمار بعض الوقت في الجلوس مع المعلمات والمعلمين والتحدث معهم في شتى أمور الحياة بشكل عام والتعليم بشكل خاص من أجل الوقوف على شخصياتهم قبل قدراتهم التربوية. يجب أن يكون معيار الراحة النفسية هو الحاكم حتى وإن كان لا يقاس بشكل علمي. لا مانع من تواجد الطفل أثناء الجلسة ومراقبة ردود فعله. الطفل له حسابات قلبية وعاطفية لا علاقة لها بما هو مكتوب في السيرة الذاتية للمعلمات والمعلمين.
الأطفال الآخرون سوف يصبحون رفقاء وأصدقاء الطفل. معرفة شخصياتهم هامة، ومن أجل ذلك يجب معرفة أولياء أمورهم وخلفيتهم الثقافية والاجتماعية. معظم الروضات تقيم جولات تعريفية بالمكان، من الهام جدًا محاولة أن تتضمن هذه الجولات معرفة بقية أولياء الأمور والتحدث معهم ليس لشيء إلا من أجل التأكد من أن طريقة التفكير والرؤية والطموح تتشابه مع الرؤية التي تتبناها لطفلك.
هذه ليست بالمهمة السهلة ولكن مع القليل من الصبر سوف تتم بنجاح وكلمة السر هي: التدريج. ليس من المتوقع أن يرحب الطفل بفكرة مغادرة المنزل واستبدال الأم والأب بالمعلمين أو التعامل مع أطفال غرباء بدلًا من الأخوة!
ينصح الخبراء هنا باصطحاب الطفل يوميًا في الأيام الأولى من حضوره للروضة ولمدة زمنية تتوقف على مدى شعوره بالاطمئنان والألفة. ويفضل أيضاً أن يحضر الوالدان أو أحدهما معه لمدة ساعة أو ساعتين يوميًا ثم تقل بالتدريج مع الشهور الثلاث الأولى. من المتوقع أن يبكي الطفل ويصر على عدم الدخول ويستخدم كل وسائل الاستجداء المعروفة لكي لا يدخل من الباب ولكن هذه هي الحياة وهذا هو الدرس الأول في الاعتماد على الذات والاستقلالية والشجاعة. الطفل بدأ حياته العملية على أبواب الروضة. في هذه اللحظة تحديدًا يجب الحديث مع الطفل لوقت أطول ولا مانع من جلب لعبته المفضلة معه وتذكيره بأهمية المرحلة- لا تخف طفلك يفهم ويستوعب كل شيء منك أنت أكثر من أي مخلوق بالعالم، سماع ذلك منك يسهل الأمر على المعلمين.
بمجرد دخول الطفل من باب الروضة ومغادرة الأم يبدأ القلق. التحدي الآن هو أن تتيقن الأم من أن مغادرة الطفل لها هو ضرورة وأن أي قلق من ناحيتها سوف يتسرب إليه فورًا. الهدوء مطلوب وتهيئة الجو العام أساسي لعبور هذه الفترة بنجاح. شعور الطفل بالقلق قد يعود بالمرحلة كلها إلى الوراء.
في هذه السنة يجب التحدث أكثر مع الطفل عن بيئته الجديدة. الحكي والحوار يشعره بالألفة والأسئلة تجعله يشعر بأهمية الروضة لك وله “ماذا فعلت اليوم؟” “هل كانت القصة جميلة؟” “هل أعجبك الطعام؟” “ماذا قالت لك المعلمة/المعلم (اذكري اسمها/اسمه)؟”. هذا الحديث هام للغاية لكي يعرف الطفل أن الروضة أمرًا أصبح ضروريًا ودائم ولن يتغيّر وفي نفس الوقت فإن جمل وكلمات الثناء والإطراء والمديح في شخصه سوف تجعله يثق في نفسه والثقة بالنفس هي أهم ما يكتسبه الطفل الآن “كنت شجاعًا” “أبليت بلاءًا حسنًا” “أكلت طعامك كله؟أحسنت”. المزيد من الإطراء يعني المزيد من الثقة بالنفس.
أهم ما يميز مرحلة سنة أولي روضة أن كل الأنشطة فيها تخضع لمقاييس علمية وتربوية ونفسية مناسبة للطفل هدفها الأساسي هو تأهيله للالتحاق بالمدرسة. ينتقل الطفل من مرحلة اللعب في المنزل مع أهل البيت إلى اللعب بذكاء واحترافية في الروضة.
الأنشطة والمهارات التي يكتسبها الطفل متنوعة ومتعددة مثل المهارات الحركية والإدراك الحسي واللغوية والرياضية والاجتماعية.
يبدأ في تعلم الألوان والأشكال ويبدأ في التحكم والسيطرة على عضلاته فيجري ويرمي الكرة ويتفاعل مع القصص والحكايات ويغني مع أقرانه ويقرأ ويستمع للغات أخرى ويشاهد مواد ترفيهية تعليمية تنمي قدرة الطفل على أن يرى العالم بشكل مختلف وأشمل ويبدأ وعيه في التشكل تمهيدًا للمدرسة فيما بعد.
روضات براعم الخليج..في انتظارك
منذ وصولك مع الطفل أمام البوابة ونحن نعي أهمية هذه اللحظة الفارق حيث يبدأ العام الدراسي الأول في الروضة. مشهد يظل في الذاكرة البصرية للطفل وللوالدين على حد سواء. نمتلك الاحترافية اللازمة للتعامل مع الأمر. العامل البشري يتضافر مع العامل المكاني والموقع لكي نوفر خدمة تعليمية وتربوية هي الأهم على الأطلاق في تكوين وعي الطفل الذي سوف يصبح فردًا فعالًا في المجتمع فيما بعد.
نراعي أهمية الجانب المادي والمعنوي لأولياء الأمور ونحقق هذا التوازن ونضعه نصب أعيننا حتى تكتمل المهمة المقدسة بتسليم الطفل بنجاح للمرحلة التالية: المدرسة.
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]