أثر الرسوم المتحركة على نفسية الطفل وسلوكياته

على الأغلب يمتلك معظمنا ذكرياتٍ مميزة عن مرحلة الطفولة، ولا شك أن بينها ذكريات خاصة بالرسوم المتحركة. حيث أن الرسوم المتحركة ليست مجرد ترفيه في هذه المرحلة، بالنسبة للأطفال، يمكن أن تكون الرسوم المتحركة مصدرًا تعليمياً وتربوياً شديد التأثير. لذا سنناقش فيما يلي أثر الرسوم المتحركة على نفسية الطفل وسلوكياته.

تاثير الرسوم المتحركة على سلوك الطفل

أشار روبنسون وشراو (2008) إلى أن الرسوم المتحركة تساعد الأطفال الصغار على فهم مجموعة معقدة من الأفكار بسهولة أكبر، وتطوير ذاكرتهم العاملة، وتحفيزهم، وتعزيز أسلوب التعلم المرئي. حيث أن الطفل في مراحل عمره الأولى يكون منفتحاً لجميع المؤثرات الخارجية، ولكن تأثير الرسوم المتحركة على سلوك الطفل قد يتجاوز أحياناً تأثير الأسرة أو البيئة المحيطة، لأن البيئة المحيطة بالطفل تكون محدودة بشكل كبير، على عكس الرسوم المتحركة التي تأخذ الطفل لرحلات واسعة في عالم الحقيقة والخيال. طفل أمام شاشةأفلام ديزني، على سبيل المثال، تجمع بين الترفيه ودروس الحياة حول الحب والصداقة والخير مقابل الشر والموت والخسارة وأهمية الأسرة. يمكن أن يؤدي الحديث عن هذه القضايا المهمة معًا إلى تعزيز التطور المعرفي والسلوكي للطفل، وفقًا لدراسة أجرتها كلية الدراسات العليا للعمل الاجتماعي بجامعة هيوستن. وكذلك مسلسلات الكارتون المترجمة التي تحمل الكثير من القيم مثل الصداقة والوفاء والعمل الجاد والطموح وغيرها.  لعل جيل “سبيستون” يعتبر من أكثر الأجياء تأثرًا بالرسوم المتحركة على المستوى الفكري والسلوكي والثقافي. تأثير الرسوم المتحركة على لغة الطفل العربي يظهر جليّاً في الجيل الذي عاش طفولته أمام قنوات مثل سبيستون وART للأطفال وغيرها، حيث كانت الرسوم المتحركة تُعرض بدبلجة عربية فصحى سليمة مما ساهم في إنتاج جيل كامل يجيد العربية بطلاقة ويتحدثون الفصحى بشكل متقن على رغم اختلاف لهجات الوطن العربي. 

أهمية الرسوم المتحركة للاطفال

التعلم من خلال الحواس أمر حيوي لنمو الأطفال العقلي والجسدي. السمع واللمس والشم والتذوق والبصر هي النوافذ التي يدركون من خلالها الواقع. لذا يمكننا أن نرى الرسوم المتحركة على أنها وسيلة تواصل جذابة واستثنائية للتعلم وتعزيز فضول الأطفال. تعتبر الألوان من العوامل الخارجية التي تحفز مشاعر الأطفال وانتباههم. على الرغم من أن الصغار يرون الألوان بشكل مختلف وفقًا لمرحلة تطورهم، فهناك دليل على أن الألوان يمكن أن ترسل رسائل محددة. على سبيل المثال، تنقل الألوان الناعمة والباستيل التي يشيع استخدامها في غرف الأطفال، إحساسًا بالهدوء، بينما تحفز الألوان الزاهية مثل الأحمر والأصفر النشاط. الرسوم المتحركة هي إحدى الوسائل الفعالة التي تستخدم الألوان لتوصيل شيء ما. في الواقع، تجذب الصور المتحركة الملونة انتباه الأطفال أولاً قبل أن يفهموا أي رسالة، مما يوفر لهم عالمًا مليئًا بالرموز التي تعكس مختلف القيم والمفاهيم والمعلومات التي سيكون من المعقد شرحها لطفل صغير بشكل تلقيدي.

دور الرسوم المتحركة في تنمية شخصية الطفل

يحتاج الآباء إلى فهم أن الأطفال يرون العالم بشكل مختلف، وأن القصص الخيالية تساعد بشكل إيجابي في فهم ديناميكيات الحياة المعقدة. الحكايات الخرافية التي تستند عليها الرسوم المتحركة غنية برموز مختلفة لتعليم الأطفال المهارات المعرفية والأخلاق. يوضح ماوريتسيو براسيني، مسؤول علم نفس الطفل، أن أحداث الرسوم المتحركة وإظهار الخير والشر فيها ينعكس بشكل كبير على شخصية الطفل. يعتمد الأمر بشكل كبير على نوع الرسوم المتحركة التي يشاهدها الطفل فهي قد تزرع بداخله العديد من القيم الجيدة والأخلاق الحميدة، او تنمي لديه نزعة العنف والعصبية أو تقدم إليه العادات السلبية والسلوكيات الضارة على طبق من ذهب. في الوقت الحاضر، أصبحت الرسوم المتحركة أقل سلبية، والكثير منها مليئ برسائل الحياة الإيجابية. لذذا من المهم أن يدرك الآباء ذلك، وأن يظهروا لأطفالهم كيفية فهم مثل هذه القصص، خاصة عندما يكون الأطفال لا يزالون أصغر من أن يدركوا معناها. أيضًا، من الجيد مشاهدة الرسوم المتحركة معًا. سيساعد هذا الأسرة بأكملها على الترابط والتقارب أكثر من ذي قبل.

الرسوم المتحركة للأطفال وآثارها الإيجابية على نموهم

تجلب الرسوم المتحركة فوائد إيجابية لنمو الطفل في مستويات لغوية ومعرفية واجتماعية وعاطفية وجسدية متنوعة. يحسن الأطفال لغتهم، ويطورون تصوراتهم الحسية، ويفهمون المزيد من المشاعر، ويكتشفون أهم القيم ويتفاعلون مع شخصياتهم المفضلة. عند مشاهدة الرسوم المتحركة، يعتمد الأطفال على مجموعة متنوعة من الحواس. يتعلم الدماغ إجراء الاتصالات من تلقاء نفسه، مما يؤدي إلى التعرف بشكل أفضل وتركيز الانتباه. يتم تطوير مهارات حل المشكلات وتحسين الذاكرة العاملة. عندما يفهم الأطفال العلاقة بين الإجراءات والقرارات التي تتخذها الشخصيات ونتائجها الفورية، فإنهم يتعلمون التفكير في المستقبل والاهتمام ببناء استراتيجية مسبقًا. من خلال الرسوم الكارتونية، يمكن للأطفال اكتشاف عواطف ومواهب جديدة ويمكنهم لاحقًا استخدامها في العديد من السياقات الأخرى. يساعد على التفكير النقدي والتحليلي الذي يؤدي إلى نمو الدماغ وتقوية الذاكرة. يتيح استخدام العديد من القدرات في نفس الوقت مزيدًا من الاتصالات المتعمقة ويجعل التعلم أكثر واقعية. سيشجع هذا التعلم مدى الحياة.

إيجابيات وسلبيات الرسوم المتحركة على الطفل

التأثير القوي للرسوم المتحركة على وعي الأطفال ونمو شخصياتهم يجعلها سيفاً ذو حدّين. هناك العديد من الآثار الإيجابية لمشاهدة الرسوم المتحركة على الطفلن، ولكن للأمر سلبياته أيضاً، لذا سنتطرق بشكل سريع إلى بعض هذه الإيجابيات والسلبيات. أطفال يشاهدون رسوم متحركةالآثار الإيجابية لمشاهدة الرسوم المتحركة على الأطفال: يمكن ملاحظة أهمية الرسوم المتحركة للأطفال من خلال التأثيرات الإيجابية المختلفةلها على سلوك الطفل ونموه. فيما يلي بعض الآثار الإيجابية التي يمكن أن تحدثها الرسوم المتحركة على الأطفال:
  1. تساعد الأطفال على البدء المبكر في التعلم
يمكن أن تساعد الرسوم المتحركة الأطفال في البدء مبكرًا في التعلم. يمكن ملاحظة التأثير الإيجابي للرسوم المتحركة على الأطفال خاصة في حالة الرسوم الكارتونية التعليمية التي تعلم الأشكال والأرقام والألوان. يمكن لهذه الرسوم المتحركة أن تعلم الأطفال أشياء أساسية بطريقة ممتعة وتفاعلية، مما يجعل التعلم نشاطًا ممتعًا.
  1. تساعد في التنمية المعرفية
يمكن أن تساعد مشاهدة الرسوم المتحركة في تطوير المهارات المعرفية لطفلك. كما يمكن أن تساعد في تطوير المنطق والقدرة على التفكير، والمعالجة البصرية والسمعية، والاهتمام المستمر والانتقائي للطفل.
  1. تساعد في تطوير اللغة
يمكن للرسوم الكارتونية أن تعرض أطفالك للغات مختلفة، وبالتالي تساعد الأطفال في تنمية قدراتهم اللغوية. السماح لهم بمشاهدة الرسوم المتحركة بلغتك الأم، يمكن أن يساعدهم على تعلم اللغة بشكل أفضل كما ذكرنا أثر سبيستون في تقوية العربية الفصحى لدي الكثيرين. من خلال مشاهدة الرسوم المتحركة المختلفة، يمكن للأطفال أيضًا تحسين نطقهم وطريقة تحدثهم.
  1. تعزز الإبداع
تساعد مشاهدة الرسوم المتحركة في زيادة خيال الأطفال وإبداعهم.حيث يتمكن الطفل من التفكير في أفكار جديدة مستوحاة من رسوم كاريكاتورية معينة والتوصل إلى قصص جديدة أو أعمال فنية تعتمد على الرسوم المتحركة التي يشاهدها.
  1. تساعدهم على الضحك والاستمتاع
يجد الأطفال الرسوم الكرتونية مسلية وغالبًا ما يضحكون بصوت عالٍ على تصرفات الشخصيات الكرتونية. الضحك هو وسيلة جيدة للتخلص من التوتر وبناء الثقة. 
  1. تساعد الأطفال على تعلم أشياء مختلفة
تعد مشاهدة الرسوم المتحركة طريقة رائعة لتعليم أطفالك العادات والتقاليد والتاريخ والأساطير المحلية والعالمية، كما تمنحه معلومات عن الدول المختلفة والثقافات التي يمكنه اكتشفاها في المستقبل.

التأثير السلبي لمشاهدة الرسوم المتحركة على الأطفال

كما ذكرنا، رغم أن الرسوم المتحركة لها العديد من الآثار الإيجابية على الأطفال، إلا أنها يمكن أن يكون لها أيضًا آثار سلبية على سلوك الطفل ونموه. فيما يلي الآثار السلبية المختلفة التي يمكن أن تحدثها الرسوم المتحركة على الأطفال.
  1. التشجيع على العنف
مشاهدة الرسوم الكرتونية التي تصور العنف يمكن أن تشجع  الأطفال على أن يصبحوا عنيفين في الحياة الواقعية. أيضًا، قد يعتقد الأطفال أنه لا أحد يتأذى أو يشعر بالألم لأن الرسوم المتحركة تفلت سالمة بعد تعرضها للعنف أو وقوع حادث. 
  1. إظهار السلوك الجامح والافتقار إلى التعاطف
هناك العديد من الرسوم الكرتونية التي تظهر شخصيات تعرض سلوكًا فظًا أو غير مطيع تجاه معلميهم وأسرهم ومن حولهم. قد يقلد الأطفال هذا السلوك ويتحدون والديهم أو معلميهم عندما يتم تأديبهم على السلوك السيئ.
  1. قد تشجع على استخدام اللغة البذيئة
أحياناً تتضمن الرسوم المتحركة لغة غير مناسبة للأطفال. ولأن الأطفال سريعو التأثر، قد يبدأون في استخدام لغة سيئة يتعلمونها من الرسوم المتحركة في الحياة الواقعية.
  1. تشجيع السلوك غير الاجتماعي
هناك العديد من الرسوم الكرتونية التي تشجع السلوك المعادي للمجتمع وتوجه رسائل خاطئة للأطفال. ثم هناك بعض الرسوم الكرتونية التي تحتوي على تلميحات جنسية، وتشجع على العدوانية، وتروج للسلوك الخشن. يمكن أن تؤثر هذه على سلوك طفلك وتجعله يعتقد أنه من الطبيعي أن تكون عدوانيًا أو فاسدًا أو عنيفًا.
  1. قد تؤدي إلى مشاكل صحية بسبب الإفراط في المشاهدة
يمكن أن يتسبب الجلوس أمام الشاشة لمشاهدة الرسوم المتحركة لساعات طويلة في حدوث العديد من المشكلات الصحية بسبب الخمول وعدم موازنة الحياة، مما يؤدي إلى حالات مثل ضعف النظر، السمنة، ضعف الجسد، وغيرها.
  1. يروج للنماذج السيئة
غالبًا ما يمجد الأطفال شخصياتهم الكرتونية المفضلة ويقلدونها أو يطمحون إلى أن يكونوا مثلهم. في كثير من الأحيان، قد يكون موضوع إعجابهم نموذجًا مضللاً يشجع العادات الخاطئة أو يُظهر سلوكًا غير حساس تجاه زملائه من الكائنات. غالبًا ما يؤدي هذا النوع من تأثير الرسوم المتحركة على نفسية الأطفال إلى عواقب وخيمة وينتج عنه انسحاب الأطفال أو عدم التواصل معهم أو عدم التواصل الاجتماعي أو عدم الانضباط. الخاتمة: أثر الرسوم المتحركة على نفسية الطفل وسلوكياته ليس إيجابياً فقط ولا سلبياً فقط، فهو عامل تأثير قوي يمكن أن يعمل على تنمية مهارات وحواس الأطفال أو تنمية سلوكيات سيئة لديهم، لذا ما يمكننا فعله هو متابعة نوع الرسوم المتحركة الذي يشاهدونه، وتقديم الرسوم المتحركة التي تناسب الفكر والثقافة التي نرغب في تنشئة الأطفال عليها. اقرأ أيضاً الثقة بالنفس عند الطفل

Subscribe to our Newsletter

خطأ: نموذج الاتصال غير موجود.